أحدث الاخبار

الجمعة، 7 سبتمبر 2012

محمد الخازندار يكتب .هل اتاكم حديث اليونان

أحرزت مصر تقدما ملموسا فى تنفيذ إصلاحات هيكلية واسعة النطاق تسارعت وتيرتها بعد عام 2004 مما حفز على سرعة نمو الناتج، فبلغ المتوسط السنوى 7% خلال السنتين الماليتين 2006/2005-  2008/2007، مرتكزا على مكاسب الإنتاجية المدفوعة بالاستثمار الأجنبى والبيئة الخارجية المواتية. كذلك أدت الإصلاحات إلى تقليص المخاطر على المالية العامة والمخاطر النقدية والخارجية، مفسحة المجال للتصرف على صعيد السياسات الاقتصادية الكلية فى حالة مواجهة صدمات سالبة. وقد نجحت مصر نسبيا فى تجاوز الأزمة العالمية حتى الآن.»
النص السابق ليس جزءأً من تقرير المؤتمر العام للحزب الوطني المنحل بل هو جزء من تقرير نشر في 2010 كتقرير سنوي يصدره صندوق النقد الدولي عن الدول الأعضاء وهو ما يعكس إشادة كبيرة بالسياسات الاقتصادية للحكومة المصرية لدرجة أن التقرير يذكر نصاً أن المديرين التنفيذيين للصندوق قد أثنوا على السلطات المصرية لما أبدته من إدارة رشيدة للاقتصاد الكلي.
 أتي كل هذا قبل أشهر قليلة من اندلاع ثورة كانت أهم شعاراتها إلى جانب الحرية هي «العيش و العدالة الاجتماعية» وهي شعارات اقتصادية بالأساس. ويجب أن أشير هنا إلى أن آخر قرض طلبته مصر من الصندوق كان في 1993 وقامت بسداد آخر مديونياتها للصندوق في 1998 مكتفية بالاستماع لنصائح الصندوق بطريقة استرشادية، وهو ما يجعلنا نستبعد إمكانية أن تكون هذه الإشادة مجاملة من الصندوق للحكومة المصرية لأنها تنفذ برنامجاً اقتصادياً وضعه الصندوق نفسه كشرط من شروط قرض مثلاً.
ما الذي يعنيه هذا؟  يعني هذا ببساطة أن خبراء الصندوق كانوا على اقتناع تام فعلاً بالسياسات الاقتصادية للحكومة المصرية قبل الثورة وهي السياسات التي وسعت الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ظهرت جلية في العديد من الإضرابات والاعتصامات العمالية التي تسارعت وتيرتها في السنوات الثلاث التي سبقت الثورة، وهؤلاء الخبراء هم أنفسهم من سيضعون أو يقبلون على اﻷقل الشروط المطلوبة لمنح القرض الذي تنتوي الحكومة المصرية اقتراضه خلال أشهر.
من يملكُ العملةَ يُمسكُ بالوجهيْن! والفقراءُ: بَيْنَ.. بيْنْ! - أمل دنقل
تخضع عملية صناعة القرار ومنح القروض في صندوق النقد الدولي لآلية مفادها أن كل دولة تمتلك كتلة تصويتية تتناسب طردياً مع حجم حصتها في تمويل الصندوق فتمتلك الولايات المتحدة الأمريكية وحدها حوالي 17% من الأصوات. وهو ما يجعلها أكبر متحكم في سياسات الصندوق، مما يفرض على الدول المقترضة رؤية اقتصادية أمريكية لكيفية إصلاح أوضاعها اقتصادياً.
تتلخص شروط الصندوق دائماً في نقاط محددة أهمها تخفيض عجز الموازنة وتحرير الأسعار والتوسع في سياسات الخصخصة، وكلها شروط تبدو في جوهرها رقمية بينما هي في الحقيقة ذات تأثيرات جوهرية على الطبقات الفقيرة في الدول المقترضة.
في 2008 نشرت البي بي سي تقريراً حول بحث أجراه باحثون في جامعة كامبريدج توصلوا فيه إلى علاقة بين تطبيق بعض البلدان لبرامج صندوق النقد الدولي وارتفاع نسبة الوفيات الناتجة عن مرض السل، حيث قال الباحثون إن الشروط القاسية التي يضعها الصندوق لتخفيض الإنفاق الحكومي غالباً ما تؤثر على الإنفاق على قطاع الصحة، وهو ما يسبب تدهوراً في الخدمات الصحية التي تقدم للمواطنين.
أحد أحدث برامج صندوق النقد الدولي يتمثل في خطة إنقاذ اقتصادية لليونان فوضع الصندوق خطة تقشف اقتصادي تضمن «إصلاح» الاقتصاد اليوناني – كانت أبرز شروط هذه الخطة هو التوسع في عمليات الخصخصة بما في ذلك شركات الغاز الطبيعي وخفض الحد الأدنى للأجور بنسبة 22%، وإلغاء 15 ألف وظيفة حكومية بنهاية العام وطرد 150 ألف عامل حتى عام 2015 واقتطاعات في رواتب التقاعد إلى جانب خفض مخصصات الصحة والضمان الاجتماعي في الميزانية، وهو ما يعني أن الطبقة العاملة هي من ستدفع فاتورة الأزمة الاقتصادية في النهاية، ولكن هذا غير مهم طالما كانت أرقام الاقتصاد اليوناني تتحسن في نظر خبراء صندوق النقد.
لم يصمت العمال والمحالون للتقاعد في اليونان وانطلقوا في احتجاجات واسعة وعنيفة ضد السلطة التي تريد أن تحملهم فاتورة فشلها السياسي والاقتصادي وضد خطة صندوق النقد التي تريد أن تعاملهم كأرقام وكعبء يمكن إصلاح الاقتصاد بسحقه وهو أيضاً ما حدث في الأردن منذ أيام حتجاجأً على رفع أسعار الوقود تنفيذا لاشتراطات صندوق النقد الدولي حول قرض بقيمة 2 مليار دولار، حتى أجبروا الحكومة الأردنية على التراجع عن رفع الأسعار، وهو تحديداً ما سيفعله العمال في مصر إذا تضمنت خطة قرض صندوق النقد الدولي خططاً مشابهة، في احتجاجات سيحلو للبعض التأفف منها ووصفها بالفئوية، بينما سيحلو للبعض الآخر وضعها في خانة المؤامرة لإفشال الحكم الإسلامي في مصر.
«فليقل من شاء كيف يشاء، من الطغاة المستغلين، ومن رجال الدين المحترفين، ومن الكتاب المرتزقين، والصحفيين المأجورين: إن الدعاة إلى إصلاح هذا الواقع الاجتماعى السيئ شيوعيون، أو خارجون على القانون، أو خطرون على الأمن والنظام، أو دعاة هدم وفوضى، وليحاربوهم بكل الوسائل الجهنمية، التى يمتلكها الطغاة فى كل زمان ومكان، ليزجوا بهم فى المعتقلات والسجون، وليعطلوا لهم الصحف والأقلام، وليحاربوهم في أرزاقهم وقوتهم، وليسدلوا الستار على حياتهم وذكراهم. إن صوتاً سيرتفع بعد ذلك كله ولن يمكن إسكاته أبداً، صوت المعدات الخاوية التي تملأ جنبات هذا الوادي، صوت الملايين التي تبذل العرق والدماء ولا تنال مقابلها لقمة خبز جافة ولا خرقة كساء متواضعة، صوت الجموع التي لم تقرأ كلمة واحدة عن الشيوعية أو غير الشيوعية، ولكنها جموع من اﻷحياء تطالبهم معداتهم بكسرة الخبز وتطالبهم جلودهم بخرقة الكساء».
المقولة السابقة ليست لأحد أقطاب اليسار (المهملين لدور الدين أو الذين يحتقرونه، على حد وصف عصام العريان القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة) كما قد يظن القارئ، بل هي من كتاب «معركة الإسلام والرأسمالية»، لسيد قطب، المفكر الإسلامي الأبرز لجماعة الإخوان المسلمين، وأتصور أنه لو نشر تلك الكلمات اليوم لتقدم أحد المحامين المتحمسين في جماعة الإخوان ببلاغ ضده يتهمه فيه بالتحريض على الفوضى وزعزعة الاستقرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق